............
قالت
" نعم
... أبيع قلبي الرقيق الذي أحب كل الناس على أختلافهم , فكان يرقص لفرحهم , وينفطر
حزناً علي حزنهم , وهو لهم ملجأ آمن
دائماً , فمنحهم من المشاعر الصادقة ما لم يقدروها ,
وبدلا من
أن يبادلوه حبا بحب , بادلوه بالجراح والألام
, ورغم ذلك لم يقسو , وظل على رقتة وعطاءه
لهم , قلبي مريض بالحب لهذا أبيعه , وأبادله بقلبا قاسياً " ...
حملت حقيبتها مرة أخري على ظهرها , وأكملت طريقها
مع رفيقها بقلب حزين ...
حتى رأت طفلاً أنانيا مزعجا , أقتربت منه وقالت
" هل تأخذ مني إيثاري وتمنحني بعض أنانيتك ؟" فصرخ في وجهها "
دعيني أنت وإيثارك ... فلم أعتد أن أعطي شيئاً " ...
عادت وحملت حقيبتها , وزاد تعجب رفيقها , وقال
لها " أتبيعين إيثارك ؟" قالت
..نعم .. أبيعه , فهو الذي جعلني أفضل الناس على نفسي , وأمنحهم الكثير من روحي ,
حتى أصبح عطائي لزاماً علي , وأصبحت كالبحر يقصده كل شخص ليأخذ منه , ولا يمنحه أي شيء , يسمع الشكوى ولا يجد من
يستمع إليه , ولم أتلقي في المقابل سوى المزيد والمزيد من الأنانية , ورغم ذلك لم أستطع أيضاً أن أتخلص منه , ذلك
لأن روحي مريضة به لهذا أبيعه , لأبادله ببعض الأنانيه " ...
صمتت ثم أكملت طريقها , حتى رأت سيدة تقف وسط صراخ
وعويل ولا يؤذيها ضجيجهما , تستمع لأسوأ العبارات ولا تتأثر روحها , قالت لها
" سيدتي ... هل ترحميني , وتأخذي مني أذني , وتمنحيني أذنا من أذناك القويتان
اللتان لا تؤذيهما الصرخات ؟ "
لكن السيدة
لم تسمع صوتها وسط ذلك الضجيج ...
لملمت
خطاياها وسارت من جديد ... وزادت حيرة رفيقها فتسائل متعجبا " لماذا تبيعين
أذناك ؟" قالت " أبيعها لأنها تهفو دائماً , إلى موسيقى الكلمات الصادقة
المشاعر , لكن ما يدخلها من كلمات قاسية جارحة تسبب للروح ألماً لا يشفى , وعبثا
حاولت أن أمنع عنها الأصوات الخارجية , حتى أنني حاولت أن أفصلها عن روحي , أو
أبني بينهما سور دون جدوى , فروحي مريضة بأذني المرهفة لهذا أبيعها لأبادلها بأذن بشرية " ...
سارت في
طريقها سارا معا في صمت, حتى رأت شخصان يتراشقان بالألفاظ , أقتربت منهما
وسألتهم " هل لكم أن تبادلوا لساني بلسان من ألسنتكم , يعلم كيف
يلقي بالألفاظ القاسية ليستطيع أن يصد عني اللعنات الظالمة ؟ " ...
رمقاها بنظرة ثاقبة ، ثم
أمطراها بوابل من الألفاظ الجارحة , هربت مسرعة منهما , وحملت حقيبتها مرة أخرى
على ظهرها , قال لها رفيقها مترفقاً
"
أرجو ألا تسأمي كثرة أسألتي ... ولكن لماذا تبدلين لسانك ؟" قالت له وقد
تملكها اليأس والحزن " أبادلة ... لأنه لا يعرف سوى الكلمات العذبة الرقيقة
التي تفيض عليه من روحي , لكن روحي لا تسلم من ألسنه البشر القاسية التي تتفنن في
تعذيبها , وحينها ينطوي لساني حزينا متألما , فهو لا يعرف القسوة , وأن
أدعاها .. زادت روحي تألما ،
أن روحي مريضة بهذا اللسان العذب , لهذا أبادله بلسان قاسيا "...
أستطردت
بأسى وهي تغالب دموعها " أنني أحيا في الدنيا , كطائر يمشي على الأرض وسط
البشر فتتقاذفه أقدامهم بقصد وبدون قصد , فكان علي أن أختار أما أن أعتزلهم وأعيش
طبيعتي في السماء محلقة , ولكن وحيدة .. أو أن أبادل طبيعة البشر بطبيعتي ,
لأستطيع الأنتماء إلى دنياهم والحياة بينهم فكان أن أخترت الثانية ...
لهذا جمعت
كل الخطايا التي تفصلني عن دنيا البشر ,
وأتيت لبيعها "...
نظر لها
رفيقها نظرة حانية وقال " هوني على نفسك , أن هؤلاء الذين قابلتهم أناس بلا
روح , فقد تخلوا عنها يوم بدأ سباق الحياة , تخيلوا أنها سوف تعوقهم ...فتركوها...
وأستمروا يتسابقون دون انقطاع ...
كان السباق ضاريا , فتسلحوا بالقسوة والأنانية ,
وأخفوا ضعفهم خلف وجه غاضب , وصوت عال وكلمات لاذعة , فلم يقو أحد على الوقوف
أمامهم ولقد نجح بعضهم في الوصول إلي كل
ما يطمح إليه , لكن لو تطلعت لحالهم , لوجدتهم وحيدون تعساء , لا يملكون من
يشاركهم الفرحة بنجاحهم , ولا يملكون من المشاعر سوى بقايا شوق للمشاعر. أما أنت
.. يا من تملكين تلك الروح الرقيقة الشفافة أسمى وأرقى من أن تكوني مثلهم , فأنك
لو حاولت لسببت لروحك ألما أبلغ وأعمق من أي ألم , قد يصيبك من هؤلاء البشر ,
فلماذا تصرين على البحث عن سعادة روحك بقربهم ؟" ...
0 comments:
Post a Comment