....
...
نظرت إليه
وهي تغالب كلمات حبيسة قلبها وقالت بألم ... لأنني تخليت عن البحث عن الرفيق الذي
تسعد بقربه روحي ؟!
فلطالما آمنت روحي بوجود رفيق لها في الدنيا , روحه
شفافة مثلها , ولقد حدثتني عنه طويلا حتى صدقتها , فكنت أخترق كل العيون متمنية أن
أجده مختفيا خلف إحداها , لكنني من طول البحث بدأ يختلط الأمرعلي , حتى إذا وجدت
شخصاً يشبه في صفاته القليل من صفات رفيق روحي , أصبغت عليه من خيالي باقي الصفات ,
وأوهمت نفسي أنه هو , ولم ألق من وراء ذلك سوى الآلام المبرحة , فقررت أن أثني
روحي عن بحثها , وأكتفي بالحياة وسط البشر ...
لكن البشر أساؤا التعامل مع روحي بطبيعتهم القاسية ,
تلك الطبيعة التي أدركت اليوم بمساعدتك أنني لا أستطيع أن أعيش بها , كيف توهمت
يوماً أنني سأجد سعادتي إذا ملكتها !! ...
أشكرك يا رفيق يومي , إذ ساعدتني لأدرك الخطأ الذي
كنت سأقع به " فقال لا.. لا تشكرينني أنا بل أننا معا نشكر الله , فحالي حين
لقيتك لم يكن بأفضل من حالك , ولكن الحياة لا تخلو جعبتها من المفاجأت , وكثيرا ما
تأتينا الأجابات بعد أن يتملكنا اليأس , ونتوقف عن البحث عن مبتغانا , لقد جئت
اليوم إلى هذا المكان , بحثا عن أحد أحلامي التي كانت تطاردني دوما , في يقظتي قبل
منامي ... حتى قررت أن أتخلص منه , فتركته هنا في سوق الخطايا , متوهما أنني
سأستمتع بالهدوء والسكينة بعدها , لكنني بدلا من ذلك قضيت الليالي مؤرقا بلا أحلام , وقضيت النهار شاعرا بالغربة وعدم
الأمان , فعدت اليوم باحثا عن حلمي الضائع ... وكان أقصي آمالي أن أجده , فكان
مقدرا لي أن أجد ماهو أفضل منه بكثير ...
تعجبت وقالت بحياء , هل لي أن أسألك عن هذا
الحلم ؟
أبتسم وقال لها ...
كنت أرى
أنه قبل مجيئي إلى هذه الدنيا , أن روحي
أنقسمت إلي جزئين , جزء بقى داخل جسدي والجزء الأخر رحل بعيدا عني , بوعد صامت
بالتوحد مرة أخرى , وقد ظل هذا الحلم
يلح علي حتى آمنت به , وكطفل ضاع منه أبواه ظللت
أبحث عن جزء روحي المنفصل , فبدونه أشعر بالخوف والغربة , ولا تكتمل سعادتي أبدا
لقد أتيت اليوم باحثا عن حلمي الذي تركته , بعد
أن أجهدني
الشعور بالغربة والضياع بدونه , فكان أن وجدت جزءه المنفصل هنا , في أخر مكان أفكر
أن أبحث فيه ...
أنت يا ذات الروح الشفافة والقلب الرقيق واللسان
الصادق النقي والأذن المرهفة , يا من تؤثرين الناس على نفسك , أنت من تملكين جزء
روحي المنفصل عني , لقد عرفتك روحي ونكرتك عيناي
روحي التي أستمعت إلى نداء روحك , الذي يشع في المكان , أما عيناي
القاصرتان فلم تريا إلا حزنك وهمك المرتسمان على وجهك , وطوال طريقي معك , كنت
أتأرجح بين روحي وعيني , حتى بدأت في عرض خطاياك , فعلى صوت روحي وزادت قوة بصيرتي
...
كانت تستمع إليه وقد تبدلت ملامح الحزن إلى راحة
وسكينة , فأختلطت مشاعرها بسيل من الدموع , التي لم تحاول منعها , فروحها لا تخشى
أن تكشف أمامه أعمق جروحها , تطلعت إلى رفيق يومها وكأنها تراه لأول مرة , وتلاحقت
الكلمات داخل قلبها , لكنها لم تجد أبلغ من الصمت ...
حتى تكلم
قائلا " يا حبيبة الروح ... لا ترهقي قلبك بحثا عن كلمات نصف بها هذه
اللحظة , فلروحينا لغة خاصة تتحدثان بها , ولقد تعارفتا منذ أن تلاقينا في الطريق ,
لكننا لم نستمع إلى حديثهما إلا الأن " ...
نظرت إليه
بفرحة تغمر قلبها " أحقيقي أنت أم
أنني أهزي , من شدة اليأس والتعب ؟ أأنت رفيق روحي ؟ ...
ذلك الذي
حدثتني عنه طويلا , ولم تكف يوما عن البحث عنه ...
نعم أنه أنت , كيف لم ألحظ ذلك الشعور الذي أصاب روحي
منذ أن القيتك ؟ ...
لقد كنت
مشغولة ببيع ما كنت أحسبه خطايا , حتى أنني لم أعد أشعر بثقل حقيبتي , وكأن أنحناء
ظهري لم يكن بسبب الحمل الموضوع عليه , بل لأنني تخليت عن البحث عنك , وفقدت
إيماني بوجودك , كم كنت ألوم البشر على جرحهم أياي . الأن .. أنا أشفق عليهم لأنهم لم يختبروا ما
نشعر به , ولو فعلوا لأختلفت طبائعهم وحياتهم ...
أما أنت يا
رفيق روحي وحبيبها , فأن قلبي الرقيق متلهف لأن يمنحك كل ينابيع الحب الكامنة
بداخله , وأذني تتوق للأستماع لموسيقى صوتك الصادق , ولساني تتسابق على أطرافه ,
أعذب العبارات التي طالما أشتاقت للسكون داخل قلبك , أن كل ما كنت أحسبه خطايا من
قبل , ما هو إلا نفائس خلقت من أجلك وحدك ...
هيا بنا يا رفيق روحي وحبيبها , لنوحد أرواحنا
ونفرد أجنحتنا , ونحلق بها في السماء بعيداً عن هذا المكان وهؤلاء البشر , تاركين
لهم الطبيعة البشرية وخطاياها , أما طبيعتنا الروحية ... فهي خليقة فقط بنا فقط.