BLOGGER TEMPLATES AND TWITTER BACKGROUNDS

Feb 3, 2009

لحظة الميلاد

Waiting for the Man by Giuliano Tromblini
أنطلقت أشعة الشمس مخترقة نافذتها الزجاجية و مربتتة عليها لتخبرها انه قد حان الوقت. فأستيقظت مسرعة و انطلقت ترتدي ملابسها المنتقاة مسبقا بمنتهى العناية ثم وقفت أمام مراتها لتتأكد أنها اليوم في أجمل صورة يمكن أن تكون عليها.
و أنطلقت تسابق خطواتها الريح حتي وصلت الي باب المقهى فهدأت خطواتها و نظرت من خلال الباب الزجاجي فوجدته جالسا في مكانه المعتاد و أمامه قهوته و أوراقه ممسكا قلمه في يده و ناظرا من خلال النافذة متفحصا في المارة.
أطمأن قلبها حين راه و أخذ يرقص فرحا فأشرقت أبتسامة على وجهها.
دخلت المقهى و جلست في مكانها المعتاد حيث تراه و لا يراها هو.
كانت تنتظر هذا اليوم على أحر من الجمر ففي هذا اليوم من كل اسبوع يجلس في مكانه المعتاد ليكتب مقاله الاسبوعي
هو فنان أطلق على نفسه اسم الغواص. فهو يغوص في اللحظات و النفوس و الكلمات ليستخرج منها مخبئاتها و يزيل عنها اي غبار و يعرضها في لوحة فنية مرسومة بالكلمات فتجعلها مع كل مقاله تدرك ما لم تدرك من قبل. فأصبحت مقالاته بالنسبة لها هي لحظات ميلاد.
هكذا تراه هي ... أنسانا فوق البشر ... كلماته حكمه و صمته تفكير و عيناه بحر تتمني أن ترتمي وسط أمواجه دون أن تفكر في الرجوع
هكذا تراه ... هو كاتبها المفضل و حبيبها دون أن يدري.
جعلت هذا اليوم من كل أسبوع ملكا له ... تجلس على مسافة منه يكفيها أن تتابعه ببصرها فتنظر حيث ينظر محاولة أن تخترق أفكاره لتعلم أي الكلمات ستقرأ غدا.
حتى يضع قلمه في جيبه معلنا ميلاد كلمات جديدة ثم يجمع أوراقه برفق و ينطلق خارجا.
أما اليوم فقبل أن ينطلق خارجا أدار رأسه لتلتقي عيناه بعينها .نظرة واحدة خلعت قلبها من مكانه.
نظر لها و أكمل طريقه خارجا و تسمرت هي في مكانها . هذه النظرة البسيطة كانت لها كالصاعقة جعلت كل حواسها تتوقف حتى عقلها توقف عن التفكير لحظات ثم تلاحق عليه طوفان مفاجيء من الاسئلة التي لم تجد لها اي اجابة. لم تستطع النوم هذه الليلة فطوال الليل كانت تفكر في هذه النظرة المفاجئة و مئات التساولات تحيط بها.
حتي أتى الصباح فأنطلقت متلهفة الي بائع الجرائد و قد كان لا يزال يرتب الجرائد و المجلات امام دكانه.
أخذت منه الجريدة و أتجهت مسرعة الي المقهي حيث ولدت هذه الكلمات فهذا هو افضل مكان تقراها فيه.
جلست في مقعدها و أخذت تقرأ
:
" اصدقائي ...لم افهم ابدا سببا لهذا الخوف الدائم من الافصاح عن مشاعرنا فكل منا يحاول جاهدا ان يخفي ما يختلج في صدره ... كل بطريقته... و لكن دائما و ابدا تبقى العينان هما البوابة السحرية التي يختفي ورائهما كل الاسرار... و هما صادقتان لا تعرفان الكذب يكفي ان تخترقهما حتي تدرك ما بقلب الانسان من مشاعر خير او شر ... حب او كراهية ... سعادة او حزن ...طمانينة او خوف
و لقد استوقفتني عيناها بكل ما خلفهما من روح جميلة شفافة ينبع جمالها من فيض الحب المتدفق الكامن بها و الذي لا يعادله سوى هذا الخوف الملاصق له.
كنت اراها دائما ترتدي اجمل ثياب و تظهر في أجمل صورة تجلس وحدها في انتظار حبيب لا يأتي. و تسائلت أي حبيب هذا الذي يتخلف عن موعد مع هذا الوجه الملائكي و هذه العينان الصافيتان حتى نظرت في عينيها فرايت مشاعرها تتطلع الي مستغيثة طالبة ان احررها من قضبان الخوف. في لحظات تلت علي مشاعرها قصتها و كيف انها نمت و نضجت و حين حان الوقت لتنطلق محلقة باحثة عن رفيق روحها قامت صاحبة العينان بوضع هذه المشاعر خلف قضبان من الخوف ذلك الخوف الذي منعها من ان تسلم قلبها لأي شخص حقيقي. و حين بدات مشاعرها في التمرد عليها فما كان منها الا أن أتخذت حبيب خيالي تحبه و لا يجرحها تمنحه مشاعرها و لا تنتظر منه مشاعر في المقابل.
و لها اقول: يا صديقتي ...ان مشاعرنا داخلنا كالطفل ينمو في احشاء امه فاذا حانت لحظه الميلاد فلابد للطفل من الخروج للدنيا و عيش تجربته كامله. فهل رايت يوما اما تمنع طفلها من الخروج للدنيا؟ فانها لو فعلت لكتبت عليه الموت بدعوى الحب و الخوف.
يا صديقتي... دعي مشاعرك تخرج للنور و تتنفس نسيمات الهواء بكل ما فيها من صفاء فترة الصباح و صخب فترة الظهيرة و سكون فترة الليل. ليس عليك سجنها خوفا
و لكن يكفي ان تذكريها بكلمات جبران الصادقة "ان المحبة الحقيقية هي ابنة التفاهم الروحي و ان لم يتم هذا التفاهم بلحظة واحدة لا يتم بعام و لا بجيل كامل
"
اخذت تقرا هذه الكلمات مرارا حتي حفظتها عن ظهر قلب كانت موقنة انها هي المقصودة بهذه الكلمات و كانت الحقيقة قاسيه كعادتها فالان ادركت كم كانت مخطئة في حق نفسها و مشاعرها لقد اوقفتها هذه الكلمات امام حقيقة مشاعرها تجاهه و لم تجد امامها سوي ان تعترف بصحة كل كلمة قالها فهل كانت تبحث عن شخص يشابه في صفاته ذلك الذي تبحث عنه روحها و حين وجدته في الكاتب اصبغت عليه صفات رفيق روحها فاصبحت تمنح مشاعرها لحظات حرية املا ان تخدع مشاعرها و تمنحها مسكنا يهدئ من ثورتها عليها أم أن مشاعرها استدرجتها الى محررها ليساعدها على كسر قيودها و تجد على يديه الخلاص من سجنها ؟
كانت مخطئة في حقيقة مشاعرها نحوه و لكنها الان و بعد ان تصالحت مع مشاعرها و لم يعد هناك مجالا للكذب فانها تعترف ايضا بانه لا ذال يستحق كل الاعجاب و يستحق لقب الغواص فكيف استطاع من نظرة واحدة ان يدرك كل هذه الحقائق عنها ؟
مر الاسبوع سريعا و جاء يوم ذهابه للمقهى كعادته ذلك اليوم الذي اعتادت فيه ان تذهب للمقهي بدورها لرؤيته. اليوم ايضا توجهت للمقهى و لكنها لم تدخل كعادتها بل مرت بجوار المقهى متطلعة من خلال النوافذ الزجاجية فرات انعكاس الشارع و المارة عليها و هنا ادركت اجابه سؤالها فحين كان ينظر للمارة كان ايضا يتابع انعكاس صورتها علي زجاج النافذة.
اقتربت من النافذة الزجاجية حيث يجلس و التقت عيناه بعينها فابتسم لها و ابتسمت بعين شاكرة و سارت مكملة طريقها
.

12 comments:

أنستونا said...

كلام جميل جدا

شهرزاد said...
This comment has been removed by the author.
شهرزاد said...

براح الجميلة

كم هو جميل إحساسنا بالحب
ورغبتا الدائمة بأن نشعر أننا نجد من نحبه
وفي المقابل أن يبادلنا الطرف الآخر نفس المشاعر
هو إحساس رائع لا يعرفه إلا من جربه
ولكن هل نترك العنان لمشاعرنا أن تحب دون أن يقود العقل زمام ذلك الأمر؟

أحيانا لا تكون تلك المشاعر بإرادتنا
فمن المهم أن نخرجها وأن لا نكبتها وأن نتعامل معها
ولكن في نفس الوقت نعرف إلى أين نوجهها
ولكننا أحيانا نبقى أسرى لخوفنا ولضعفنا ولخجلنا
فتلك المشاعر إن بقيت حبيسة قلوبنا أو إن لم نسلمها لمن يستحقها فإن الأمر سينتهي بجرح لا يشفى
وألم لا ينسى

"ان المحبة الحقيقية هي ابنة التفاهم الروحي و ان لم يتم هذا التفاهم بلحظة واحدة لا يتم بعام و لا بجيل كامل
...
فعلا هذا هو الحب الحقيقي
هو الحب الذي تتلاقى في معبده الأرواح
لتنشد فيه لحن التفاهم والانسجام والتآلف
وإن وجدناه نكون قد وجدنا ذاتنا التائهة فوق ركام الملل والفراغ واليأس

قد تكون قصتك حدثا في حياة فتاة ما ولكنني أظنها صورة لحياة كل فتاة لا زالت تنتظر ميلادا جديدا لقلب يحتضر في أحشائها

جميل ما خطته أناملك عزيزتي
عبارات قوية ولغة متينة وأسلوب رائع

ألف تحية

بـراااح said...

أنستونا
أشكرك علي زيارتك مدونتي و على تعليقك الجميل

بـراااح said...

صديقتي الجميلة شهر زاد
كم تسعدني دائما زيارتك و تعليقاتك نعم صديقتي ان ارواحنا في بحث دائم عن المحبة الحقيقية و كما يقول نزار قباني " الحب في الدنيا بعض من تخيلنا ... لو لم نجده عليها لاخترعناه"
...

فعلا هذا هو الحب الحقيقي
هو الحب الذي تتلاقى في معبده الأرواح
لتنشد فيه لحن التفاهم والانسجام والتآلف
وإن وجدناه نكون قد وجدنا ذاتنا التائهة فوق ركام الملل والفراغ واليأس
...
ما اروع هذا التعبير اشكرك على كلماتك الجميلة

maxbeta3zaman said...

كتابتك للقصة فيه غوص فى داخل النفس الإنسانية المحبه.. البراح هنا للداخل ..تفتيش فى مشاعر الحب الدفينه ومظاهر انعكاسها على التصرفات والتخيلات ..كتابة مميزه ومرسومه داخل إطار وصفى للمكان والأشياء
قصة جميلة
كل التحية لك

بـراااح said...

أنت تسال و الكمبيوتر يجيب
أشكرك علي زيارتك مدونتي و علي دعوتك

بـراااح said...

الاستاذ ماكس
يسعدني دائما تشريفك لمدونتي

نعم سيدي ان البراح الذي اقصده في مدونتي هو البراح الداخلي حيث تسبح الروح بطلاقة على انغام السكينة
أشكرك علي تعليقك الجميل و مشاركتي افكاري البسيطة

الجواز و سنينه said...

اولا احب اهنيكى على اسلوبك الراقى و مشاعرك الرقيقه
عارفه انتى بتوصفى الحاله حلو اوى
اد ايه صورتى لحطه الاشتياق و اللهفه
اد ايه كانت جميله وصفك لالتقاء عينيهم
و لشوقها للقائه
و كلمات الكاتب كانت اكثر من رائعه
بس مين فيكم الغواص انتى و لا هو؟
تحياتى

كأنني أنا said...

الله :)

ناس كتير محتاجين يقرأوا اقصة دي..
ومحتاجين فعلاً يصدقوها


شكرا يا براح لاني استمتعت بجد بيها

هاقرأ لك كمان

تحياتي.

بـراااح said...

الجواز و سنينة
اشكرك علي زيارتك البراح و على كلماتك الرقيقة
اسعدني كثيرا ان وصلك الاحساس من خلال الكلمات فانا اخشي دائما ان تخونني الكلمات و لا تظهر المشاعر المستترة بين حروفها. اشكرك علي تشبيهي بالغواص و لكني لا ارقي لهذا القدر من العمق و الحكمة
ادام الله عليك السعادة و اتمني ان اقابلك دائما في البراح

بـراااح said...

كأنني أنا
أشكرك علي كلماتك الجميلة و سعيدة ان اعجبتك القصة . فكلنا هذه الفتاة نتخذ خيالنا ملاذا حين ترهبنا الدنيا بحقائقها المؤلمة
لك ارق تحياتي و في انتظار تعليقاتك علي ما تقراين في البراح